لما قعدت إلى العشاء أول يوم وصلت فيه إلى جاكرتا رأيت على طرف المائدة في الفندق طبقين صغيرين، طبقاً فيه زبد وطبقاً فيه شيء أحمر ما شككت في أنه
مُربى .وماذا يكون قد وُضع إلى جنب الزبد إن لم يكن فيه المُربى ؟
فأخذت بطرف السكين شيئاً من هنا وشيئاً من هناك ووضعته في فمي ،وإذا بي أضع في فمي -والعياذ بالله -جمرة ملتهبة! وإذا هذا الشي الأحمر نار حامية: نوع من الفلافل التي لم نسمع بها ولا نقدر على تصورها، وإذا القوم الذين يألفونها ويحبونها يأخذون من هذا الشيء مثل رأس الدبوس بعيدان دقيقة كالتي تخلل بها الأسنان ،وأنا أخذت منها ما أخذت ،فماذا تضنونه فعل بي؟ لقد بقيت يوماً كاملاً لا أستطيع أن أُدخل في فمي شيئاَ، وأن كنت قد أخرجت منه من مبتكرات الشتائم ومن غرائب السباب ما نفست به عن نفسي وأذهبت به غيظي، ولكنه ذهب كرصاصات تُطلق في الهواء لا تصيب أحداً، لأنني قلتها بالعربية وهم لا يفهمونها، فكانوا ينظرون إلي وأنا أهدر بهذه الشتائم وأشير إلى فمي وأحرك بأصابعي حركة من يدل على أنها النار المحرقة، فكان المهذب منهم يبتسم وغيره يضحك، لا يدرون ماذا حل بي .
الذكريات ج6 ص 169